| كيف يمكن الخروج من منطقة الراحة "Comfort
zone"؟
منطقة الراحة هي مساحة ذاتية نبنيها بأنفسنا من خلال السلوكيات والأنماط التي
تشعرنا بالاسترخاء وتقلل من إحساسنا بالتوتر. تتولد منطقة الراحة نتيجة الاعتياد
على نظام حياتي ثابت العوائد لا مكان فيه للمجازفة أو المخاطر، وبالتالي لا مكان
فيه للتجديد أو الابتكار.
عادة لا يتخلى الإنسان عن منطقة الراحة
بإرادته، بل يخرج منها مجبرا نتيجة تغير ظروف حياته أو تعرضه لتجربة شخصية قاسية
أو مفصلية.
في مرحلة مبكرة من حياتي اكتشفت أن ما
يدعى منطقة الراحة ليس سوى فخ ننصبه لأنفسنا بأنفسنا، والفضل في اكتشافي هذا يعود
لفتاة تدعى لينا.
لينا كانت
صديقة أختي الكبرى المقربة، التقيتا في سنتهما الجامعية الأولى، ولكن تجري الأقدار
بأن تختار كل منهما مسارا حياتيا مختلفا عن الأخرى …
بعد انتهاء سنتها الدراسية الثانية
تقدم للزواج من لينا سليل أحد أثرى العوائل الدمشقية، وافقت بالطبع فقد كانت فرصة
لا تعوض، من التي قد ترفض عريسا كهذا؟!
الزفاف كان أسطوريا بالطبع، وغدت لينا
التي بدت كأميرة خلال الحفل مثار حسد وغيرة الكثيرات. توالت الأخبار بعد ذلك عن
الرحلات والسفر ونمط الحياة المترف الذي غرقت فيه فأنساها نفسها وأصدقائها وحتى
دراستها. مع الوقت اعتادت لينا على التمتع بكل الامتيازات التي جلبها لها الزواج
من فارس الأحلام، ولكن أين المشكلة في كل هذا؟ المشكلة أن لينا لم تكمل دراستها
ولم تتخرج أبدا من الجامعة في الوقت التي تخرج فيه معظم زملائها القدامى وباشروا
العمل أيضا، لم ترى لينا أي مشكلة في ذلك فأموال زوجها تكفيها ولكونها أميرة فهي
ليست بحاجة للعمل أو التعب!
في صبيحة يوم حزين فارق زوج لينا
الحياة نتيجة أزمة قلبية مفاجئة لم تكد تستفق من صدمة الفقد حتى وجدت أمامها
العديد من المسؤوليات التي لم تعتد على تحملها ولا تعرف أصلا كيفية التعامل معها،
أطفالها الثلاثة الذين اعتادت على ترك أمر العناية بهم للخادمات الأجنبيات شعرت
بهم غرباء عنها … عائلة زوجها ضاقت ذرعا بإسرافها وعدم كفاءتها في إدارة منزلها
ومواردها وتوقفوا عن دعمها ماديا بعد خلافها معهم ولجؤها للقضاء للمطالبة بتركة زوجها.
كما هو متوقع لم تحصل لينا على الكثير
لأن قضايا التركات تأخذ وقتا طويلا ولان عائلة زوجها اتخذت ما يلزم لحماية أموال
العائلة وأملاكها من التقسيم والضياع، مما جعلها تضطر للاعتماد على نفسها ولكن أنى
لها هذا وهي لا تملك أي مال أو شهادة؟
لسنوات طويلة عانت لينا الأمرين في تربية
أطفالها وإدارة شؤونها، وعلى الرغم من التسوية المالية التي تمت أخيرا بينها وبين
عائلة زوجها مازالت تدفع ثمن ما ضيعته في أعوام غفلتها والذي فات الأوان على
استرداده للأسف.
هذه التجربة التي عايشت فصولها منذ كنت
طفل تثب إلى عقلي كلما ركنت إلى الراحة وتقاعست عن العمل، بفضل لينا تعلمت أهم درس
في حياتي وهو ألا نسكن للراحة ونثق بأن لا شيء سيتغير، فلا المال يدوم، ولا الشباب
ولا الأحبة … ولا حتى الأوطان!
لا شيء يبقى للإنسان سوى ما يقدمه
لنفسه من تطوير واجتهاد وعمل، وكل إنجاز أو نجاح يضيفه لمسيرته هو ثمرة الكثير من
الجهد والمثابرة. القدر لا يرحم المتقاعسين.

0 تعليقات